عندما تبحر في صفحات الانترنت الإخبارية والتسويقية.. أو عندما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فإنك بذلك لا تستخدم إلا جزءا يسيرا لا يمثل سوى 5/100من الانترنت... هذا الجزء البسيط هو ما يعرف بالانترنت السطحي أو الويب المرئي.. أما ما خفي منه، ومع أنه يمثل95/100من مجموع النت، فقلة قليلة هي من لديها كلمات المرور وجوازات التبحر فيه.. إنه الويب العميق أو الويب الخفي.. فأهلا بك عالم النت المظلم، حيث القراصنة والقتلة المأجورين وتجار الجنس والمخدرات والسلاح.. وما خفي أعظم...
ليس المجرمون فقط من يرتادون الانترنت المظلم، بل حتى السياسيون والنشطاء الحقوقيون وكبار الصحافيين كذلك.. ويرجع السبب في ولوجهم إلى النت المظلم بالرغم من وجود مثيله الظاهر، هو كونه مشفر بالكامل ولا يخضع للرقابة، ولا يظهر في محركات البحث مثل (Google وسفاري)، وبالتالي لا تستطيع أي جهة في العالم تعقبه أو الوصول إلى أصحاب المواد المنشورة فيه، بل حتى الحكومات تستخدمه قصد سرية المعلومات المتبادلة بين موظفيها، وكذلك أغلب السفارات في العالم تستخدم النت العميق في التواصل
مع الدول التابعة لها...
وللعودة للمجرمين، فهل تعلم أنك تستطيع من خلال هذا الأنترنت المظلم أن تقتني جوازات سفر وهويات ووثائق مزورة، أو أن تفتح ببساطة حسابات مصرفية مزورة؟! فجواز السفر الأمريكي مثلا يمكنك اقتناؤه بما يقارب العشرة آلاف درهم فقط...، كذلك يمكنك سرقة حسابات بطاقات الإئتمان، والدخول في حسابات البنوك، ومواقع المزادات العلنية، وتحميل «الألعاب»، وهي أكثر ما يتم الإتجار بها في الدارك ويب... لكن مهلا.. في العالم المخفي للانترنت لا يعترف تجاره بعملة بلدك، ولا بأي عملة ورقية.. الدفع فقط بالبيتكوين...
ولمن لا يعرف البيتكوين فهي عملة إلكترونية بشكل كامل، تتداول عبر الإنترنت فقط، حيث لا وجود لها في الأبناك ولا تصدر على شكل ورق أو قطع معدنية، ويمكن استبدالها بعملات ومنتجات وخدمات أخرى.. ولا تتطلب عملية تحويل البيتكوين من شخص لآخر إلا معرفة رقم محفظة الشخص المحول إليه، دون اسم المرسل أو المتلقي أو أي بيانات أخرى خاصة بهما، مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي البضائع غير المشروعة (مثل المخدرات والسلاح) عبر الإنترنت... وللعلم فكل بيتكوين واحد يعادل أربعة وثمانون ألف درهم مغربي تقريبا..
لا يمكنك دخول العالم المظلم للنت إلا عبر بوابة «تور»، وهي مرادف لـ Google Chrome وسفاري وغيرها من المتصفحات في النت المرئي.. «تور» مشروع عبارة عن أنفاق مهمتها إخفاء هويتك عندما تتصفح النت المظلم، وهو خدمة يديرها متطوعون، توفر الخصوصية وإخفاء الهوية على الإنترنت عبر تقنيع هويتك والمكان الذي تتصل منه. كما تحميك الخدمة من شبكة «تور» نفسها، بحيث يمكنك ضمان بأنك ستبقى مجهول الهوية لمستخدمي «تور» الآخرين كما أنك شبح أيضا بالنسبة
للحكومات وكل من يحاول التجسس عليك. هذا المتصفح يقدم طريقة سهلة وسريعة للاتصال بشبكة تور للأشخاص الذين قد يحتاجون أحيانا للخصوصية وإخفاء الهوية عند فتح مواقع الإنترنت. ويعمل متصفح تور مثل متصفح الويب العادي أمثال غوغل كروم وفايرفوكس وسفاري... لكن، وعلى عكس متصفحات الويب الأخرى، فإن متصفح تور يرسل اتصالاتك من خلال تور مما يجعل من الصعب بالنسبة للأشخاص الذين يراقبونك معرفة ما الذي تفعله على الانترنت، كما يصعب على الأشخاص الذين يراقبون المواقع التي تزورها معرفة المكان الذي تتصل منه.
لتتجول في العالم السفلي عليک معرفة العناوين التي تريد زيارتها، إذ لا يوجد محرک بحث مثل «غوغل» علی الشبکة المظلمة، بل موسوعات خفية عبارة عن فهارس تحتوي علی روابط.. وکل العناوين تنتهي بـ «Onion» أي البصلة، وهي شعار «تور»... عندما تکتب العناوين تصبح داخل الشبکة المظلمة... العالم السفلي الرقمي... حيث يمکن أن تجد فيه کل ما تتخيله وما لا تتخيله... ولعيش مغامرة الإبحار في الانترنت المظلم، ما عليك إلا تحميل المتصفح تور واتباع التعليمات التي سيقدمها لك... لكن، احذر...
في سنة 2011، اشتهر موقع في عالم النت المظلم باسم «سوق طريق الحرير»، موقع شبيه بعلي بابا وأمازون، لكن الفارق بينه وبين غيره من مواقع التسوق المتواجدة بالنت المرئي، أنه يقدم سلعا من نوع آخر، مخدرات بمختلف أشكالها وأنواعها: تبغ مهرب، منشطات، قنب هندي وكوكايين... فاقت تجارة هذا الموقع فقط حينها المليار دولار... وكان صاحب هذا الموقع أحد أباطرة المخدرات يدعى «روس اولبريخت». ظل «روس» مجهولا ونشاطه الممنوع مخفي عن الجميع، حتى عائلته وأصدقائه..
إلى أن جاءته رسالة من أحد الهاکرز يخبره فيها أنه استطاع کشف هويته، وکشف بعض المتعاملين معه، هنا شعر «روس» أنه تحت تهديد فعلي وصريح.. فاتصل ببعض الهاکرز الذين يعملون في موقعه، والذين يحمونه من الاختراق طبعا، وأمرهم بأن يجدوا هوية ومکان إقامة ذلک الهاکر.. وطبعا بعد مدة استطاعوا الکشف عن هويته ومکان إقامته، بل وأکثر، حيث اسطاعو اختراق جهاز حاسوبه الخاص به وأخد صورة سلفي له بواسطة کاميرا حاسوبه حتی بدون أن يعلم ذلک... أخد روس کل هذه المعلومات واتجه إلی موقع القتلة المأجورين في النت المظلم، وعقد مع أحدهم صفقة مقابل رأس ذلک الهاکر.. وبالفعل وفي أکتوبر عام 2013، أرسل القاتل المأجور لروس صورة رأس الهاکر ليوٴکد أن العملية تمت بنجاح... لكن ما لم يضع «روس» حسابا له أن الشرطة الأمريکية والعالمية تختبئ هي أيضا في الانترنت المظلم، وبعد مدة من هذه الجريمة أمسک بروس بعد أن کشفوا عن هويته، وتم الحکم عليه بالموٴبد.. وبهذا تم إغلاق واحد من أکبر مواقع تجارة المخدرات في النت السفلي المظلم.. لم يكن روس الزبون الأول ولن يكون الأخير للقتلة المأجورين الذين ينشطون في العالم السفلي للنت، فخدمات الإغتيال هي أكثر الخدمات إثارة للقلق في الإنترنت، إذ يقوم قاتل محترف مأجور بالاغتيال، وتحتفظ هذه المواقع بالطابع السري للكيفية التي تُجرى بها أعمالها، كما لا يمكن تقديم دليل على الأعمال المرتكبة، ويطلب الوكلاء من العميل أن يثبت مقدما وجود ما يكفي من «البتكوين»، ثمنا للخدمة.. وعندما ينتهي القاتل من تأدية مهمة الاغتيال وتقديم دليل عليه، يتم عندها دفع المال المتفق عليه سلفا. توجد أيضا أكبر المواقع لتجارة الأسلحة بجميع أنواعها، حيث تعرض صور الأسلحة وبجانبها السعر، وتعتبر مواقع تجارة الأسلحة من المواقع التي يكثر التعامل فيها بسبب وجود منظمات إرهابية وحركات مسلحة تتعامل مع هذه المواقع... وتكون عناوين هذه الأخيرة عبارة عن أرقام فقط..
مواقع تجارة أعضاء البشر أيضا رائجة ومربحة في الأنترنت المظلم، حيث ينتشر العديد من السماسرة الذين يساهمون في توفير البائع والمشتري، وتقول المقررة الخاصة لمكافحة الاتجار بالبشر في الأمم المتحدة «جوي إنزيلو» إن الطلب على الأعضاء البشرية يتزايد بصورة كبيرة، والأمم المتحدة تبدو قلقة بسبب شح المعلومات حول الأشخاص الذين تتم المتاجرة بأعضائهم، ذلك أن عمليات إزالة الأعضاء تجرى بصورة سرية، وعادة لا توجد لدى من تجرى لهم العمليات الفرصة لشجب هذه المخالفات. كما أن العديد من حوادث
الاختطاف في العالم يرجع سببها لهاته التجارة غير المشروعة.. والمستفيدون من هذه التجارة أغنياء في العادة، بينما الضحايا دوما فقراء، حيث تباع كلية واحدة بـ 300 ألف دولار.. ولك أن تتخيل سعر القلب، والكبد وقزحية العين وغيرها من الأعضاء..
تنشط أيضا في هذا الفضاء السري تجارة الجنس بشتى أنواعه، من فيديوهات البورنوغرافي بين جنسين مختلفين إلى الجنسية المثلية وصولا إلى الجنس الجماعي... إلا أن هناك نوعا آخر من الجنس يعتبر من أكثر المواقع في النت المظلم رواجا.. وهو «جنس الاطفال»، حيث قدرت هذه المواقع بأكثر من خمسين ألف موقع في العالم المظلم للنت، كل ما يعرض فيها هو عبارة عن جنس واغتصاب للأطفال من جميع الأعمار، حتى الرضع لم يسلموا من هاته التجارة.. حيث يتم اغتصابهم مباشرة على الهواء، وتكون نسبة المشاهدة مرتفعة وباهضة التكلفة، مشاهدون يدفعون ملايين البيتكوين للمشاهدة، لأن كل شيء في الشبكة المظلمة بمقابل، هذه المواقع مخصصة لأصحاب الأمراض النفسية
اللذين تكون لديهم نوع من السادية والتمتع بتعذيب الغير.
وعلى ذكر التعذيب، قد تصادف وأنت تتجول في النت المظلم الغرف الحمراء، وهي ببساطة صفحات أنترنت تقدم خدمات عرض بث مباشر لمناظر تعذيب وقتل واغتصاب مدفوعة الثمن، وكلما ارتفع الثمن ازدادت وحشية التعذيب، والذي قد يصل إلى القتل بعد تقطيع الأعضاء، ناهيك عن العمليات الإباحية، خاصة التي يكون ضحاياها من النساء والأطفال بعد اختطافهم واستهدافهم، وغالبا ما يتم استهداف اللاجئين والأيتام والمشردين اللذين لن يسأل عنهم أحد إن اختفوا... وأغلب الأشخاص الذين يتم عرضهم في الغرف
الحمراء ينتهي بهم الأمر إلى الموت.
في عام 2010 تم نشر جزء من مقطع عبارة عن شخص يتم تعذيبه عن طريق إجباره على أكل معين، ولا يعرف أحد ماذا كان هذا الأكل، ولكن يقول أحد الذين شاهدوا المقطع بأن هذا الشخص تم اختطافه هو وأسرته وبعد أن قتلوا أسرته أجبروه على أكل لحمهم، لذلك كان يظهر وهو يبكي أثناء الأكل، وكانوا يقومون بضربه وإهانته بطرق مرعبة...
كلما غصنا أكثر في هذه الشبكة المظلمة، وجدنا الكثير من المواقع التي لا علاقة لها بالجريمة، فالجريمة ليست الشيء الوحيد الذي نعتر عليه هنا.. ومن يعملون على صيانة متصفح «تور» أو البوابة المؤدية للنت المظلم، لا يفعلون هذا من أجل المجرمين، بل من أجل مجموعات حقوق الإنسان.. حيث العديد من الناس يستخدمون «تور» وتطبيقات تشفير الرسائل لحماية معلوماتهم من الرقابة، وهو ما أنشئت من أجله الشبكة المظلمة... في المرکز الأوربي للتقنية الرقمية المتقدمة «تور» ببرلين، ينظر العاملون هناک لأنفسهم کمدافعين عن حرية الانترنيت، هوٴلاء يتيحون لمليوني متصفح أن يستخدموا النت في الخفاء، والعدد يزداد بإضطرد، في تلك البناية يتلقى العاملون بـ «تور» المزيد من التقارير عن حالة استهدفت فيها حواسيب نشطاء سياسيين، وفي بعض الحالات تکون المسألة حياة أو موت... لذا يرون أن عملهم هذا نبيل، حيث يقدمون الحماية والسرية لكل أولئك المنادون بالحرية... هنا نغلق ملف الانترنت المظلم، لنفتح ملفا جديدا من ملفاتنا الغامضة..