خلق الله الناس ذكرا وأنثى، وجعل بينهما رابطا وصفه الحق سبحانه بالميثاق الغليظ، وحدد أركانه وظوابطه وشروطه... لكن الإنسان ومنذ قديم الأزل ابتكروا طرقا وأساليب لهاته العلاقة غير التي
أقرها الله لعباده... منها زواج الدم...
زواج الدم واحد من أغرب أنواع الزيجات التي تشهدها عدة دول عربية، والتي انتشرت أيضا في المغرب وإن على استحياء، هذا النوع من الزواج انتشر سنة 2007، بينما هو عادة سائدة منذ القدم، وتعود إلى الكثير من القبائل الإفريقية والمكسيكية
والأندونيسية وغيرها من القبائل...
في ملف هذه الحلقة، سنحاول فهم من أين أتت فكرة عقد رابط الزواج بالدم، كما سنغوص في التاريخ لفهم أساطير دمج الدماء ومعرفة
طقوسها... فلنبدأ...قديما، وفي عصور غابرة، كانت العائلات الضعيفة تلجأ إلى الزواج بالدم لتتحالف مع بعضها البعض في مواجهة القوى الحاكمة الغاشمة، أو لمحاربة قبائل معادية... فتنشأ المصاهرة بالدم...
مع مرور الوقت وفقدان القبيلة لسيادتها على حساب الدولة، وانصهار القبائل تحت حكم مركزي واحد، بدأ هذا الزواج الذي نشأ بغرض التحالف والتوازنات القبلية يفقد أهميته في القرى والقبائل، لكنه في المقابل تحول إلى المدينة، مخاصة في عصر الحداثة الذي نعيشه... بحيث أصبح مجموعة من الشباب يقبلون على هذا النوع من الزواج لأنه غير مكلف، بل وغير ملزم أيضا... فبقطرات قليلة من دم
الشاب والشابة يعلنان عن زواجهما...
لكن، مهلا.. فهذا الزواج ليس بهاته السهولة كما تعتقد... حيث هنالك طقوس مختلفة على الطرفين الراغبين في الزواج من خلاله اتباعها... تبدأ بأخد دم كل منهما وإهدائه للآخر في مظاهر طقوس وثنية تذكرك بالقبائل البدائية والجماعات السرية كعبدة الشياطين...هناك طريقتان لدمج دماء الشريكية، حيث يتم ذلك الأمر إما بأخذ كمية قليلة من دم أحدهما بالحقنة الطبية وحقنها في وريد الآخر، ويقوم الطرف الآخر بنفس العملية، حتى تتم مبادلة دمائهما مع بعضهما البعض.أما الطريقة الثانية فتتمثل في قيام كل منهما بوخز إبهامه أو عمل جرح في معصمه بأداة حادة حتى يسيل دمهما ثم يوضع مكان الجرح على الآخر حتى تمتزج دماء كل منهما بالآخر...
ليعلنا بذلك زواجهما...
هنالك من لا يكتفي بهذا الطقس فقط لإعلان زواجه، بل يوثقان هاته الزيجة بكتابة بعض العبارات على ورقة مضمونها أنهما يقران بزواجهما من بعضهما البعض، كما يمكن أن تتضمن الورقة شروطا حول طبيعة وغاية هاذا الزواج... وبعد ذلك يقومان ببصم
الورقة بدمائهما...
هناك أيضا طرق أخرى يستعملها الشباب لتفعيل زواجهما لكن الجامع بينها دائما هو الدم... دم كل منها.. لكن من أين أتت فكرة مزج الدماء هاته؟فكرة طقوس الدم، قديمة قدم الإنسان، وحتى عرب الجاهلية استعملوا الدم في عباداتهم... حيث كانت للعرب حجارة غير منصوبة يطوفون بها ويذبحون عندها أضحياتهم، ولم تحدد الوثنية نوع الأضحية التي على أحدهم أن يتقدم بها إلى آلهته، وإنما تُرك ذلك للمرء نفسه، فهو يتقرب بكل ما يختار ويشاء، وكل حسب مقدرته وقابليته...وكان الشخص يؤدي صلاته البدائية هاته، موجها إياها إلى الإله أو الروح التي كان يظن أنها تسكن تلك القطع الحجرية أو الصخرية أو الأشجار أو الآبار... وكانت هذه المذابح تلطخ بدم الأضحية بينما يرقص أفراد القبيلة حولها...
كما تعود العرب قديما أن يؤكدوا أخوتهم بالدم، وكانوا يطلقون عليها «أخوة الدم»... حيث يلعقالراغبونفيالأخوةبالدِمَدَمالأضحيةأو يغمسون أيديهم فيه، وبهذا يوجد بينهم ميثاق أخوي مشترك يربط أحدهم بالآخر، ويربط
الجميع بالآلهة...
الأخوة بالدم لم تكن مقتصرة على عرب الجاهلية، بل عرفت البشرية قديما وفي حضارات متعددة هذا النوع من الإيخاء... وكانوا يقومون به إما بالطريقة العربية القديمة، أو بجرح معصم الشخصين الذين يريدان التآخي أو كفيهما... ومن ثم يوضع الجرح على الجرح لتختلط قطرات دمهما، ومن ثم يصبحان أخوان بالدم...يترتب عن هاته العملية نشوء عهد بين الاثنين، يوجب على كل منهما الدفاع عن صاحبه والتضحية من أجله، وقد نشأ وانتشر هذا النوع بين الأقوام البدائية تجسيدا لغريزة نشأت وتبلورت في العقل اللا واعي لهاته المجتمعات، وهيأنالإنسانضعيفبمفردهقّويبينخلانه... وكانت طقوس عقد أخوة الدم هي أسمى تعبير
عن الثقة...
كما اعتمدت المنظمات السرية وجماعات عبدة الشيطان فكرة التعهد بالدماء وعقد رابط بين المنتسبين لها...
حيث تبدأ مراسيم التنسيب للجماعة بطقس التعميد بالدم، إذ يقوم كاهن الشيطان بذبح أحد الحيوانات ويلطخ به جسم العضو الجديد ووجهه
بالدم...
وهذا الطقس معناه قبول عابد الشيطان لسكنى الروح النجس في داخله، وهو عهد دم وعقد بين عابد الشيطان وإبليس أو لوسيفر.. وهو أمر نجد
مثيله في طقوس الزار بمصر والحضرة بالمغرب...
نعود للزواج بالدم، والذي من أهم طقوسه قيام الشاب والفتاة بخلط دمائهما ومزجهما معا لعدة ثواني حتى يضمنا اختلاط دمائهما معا، وبعد ذلك يعلنان ارتباطهما برباط «مقدس» حسب تصورهما... هذا الارتباط يتيح لهما التصرف
كزوجين دون عقد شرعي ولا إشهار ولا شهود...
بينما يكتفيان فقط بقطرات دماء امتزجت معا دون تحليل لدمائهما ومعرفة ما إذا كانت خالية من أمراض خطيرة... هذا النوع من الزواج انتشر مؤخرا في عدة دول عربية من بينها مصر ولبنان والكويت والمغرب...وغالبا من يقومون به مراهقون أرادوا تقليد فيلم سينمائي تطرق لهاته الظاهرة أو محاكاة لجماعات عبدة الشيطان... فضلا عن سعيهم إلى الخروج عن المألوف بسلوكياتهم التي يقولون عنها مسايرة الموضة المجنونة...ولتكتمل الصورة، التقينا بشابين كانت لهما تجربة
مع الزواج بالدم، لنستفسرهما عن هذا النوع من الزيجات، كيف اهتدوا له؟ ولماذا التجؤوا إليه دون غيره؟... فلنستمع لإفاداتهما، ثم نكمل ملف القضية...
إذن، بمجرد امتزاج دم الطرفين ببعض، يصبحان متزوجين.. حيث صار دم كل منهما يجري في عروق الآخر... وهنا يحق لهما ممارسة الحقوق الزوجية...
بهاته البساطة؟
لكن لا قدر الله وكان دم أحدهما ملوثا أو حاملا لفيروس خطير كالإيدز أو السيفيليس... أو لا قدر الله وقع بينهما حمل، فهل سيعترف الشاب بفعلته ويوثق زواجه صيانة لحقوق طفله أو ينكر زواجه جملة وتفصيلا.. ما دام هذا النوع من الزيجات حرام
شرعا ومجرم قانونا...
للأسف، هذا النوع المختلف من الزواج وغيره من الزيجات الشادة أصبحت واقعا معروفا في أوساط الشباب العربي، وفي تنام مستمر...كما أن موضة غرائب الزواج في تطور، وأن هناك الجديد دائما لدرجة أن بعض الإحصائيات القانونية تؤكد بأن هناك الآلاف من القضايا مرفوعة أمام المحاكم لإثبات البنوة من هذه النوعيات من الزواج كالزواج بالدم والوشم وغيره منَبَدِع الزواج...
هنا نغلق ملف الزواج بالدم، لنفتح ملفا آخر الأسبوع القادم، ونحاول فك خيوطه...