أما حسن 45 سنة فله قصة أخرى مع مافيا الاتجار بأعضاء البشر حيث يروي قصة زوجته التي توفيت منذ سنتين يقول" كانت زوجتي تعاني داء السكري وحدث أن ارتفع مستوى السكري في دمها فأصيبت بتعفن في عينها اليمنى وبعد سلسلة من الفحوصات قرر الطبيب المختص إجراء عملية جراحية لاستئصال عينها لأفاجأ أنه اقتلع الاثنين مع بسبب تلف العين الأخرى كما ادعى"..
لم يقتنع حسن بكلام الطبيب ليبدأ مسيرة بحثه عن حق زوجته فطرق أبواب جمعيات عديدة بعدما تعذر عليه متابعة المستشفى الخاص الذي أجريت فيه العملية قانونيا خاصة بعد وفاة الزوجة.
أغراه بعقد عمل ليسرق كليتيه..
أما سعيد 25 سنة الذي لم ينجح في الحصول على وظيفة قارة رغم حصوله على الإجازة في الدراسات الإسلامية جعله يفقد الأمل في تحقيق أهدافه ففكر مرارا وتكرارا في الهجرة نحو الخارج إلى أن أتيحت له فرصة العمل في مصر لكنه فوجئ بالشخص الذي قدم له عقد العمل يطلب منه إجراء بعض الفحوصات الطبية والتحاليل كجزء من إجراءات السفر.
وبعد خضوعه للفحوصات أخبره الطبيب بأن لديه حصوة في الكلى نحتاج جراحة لإزالتها قبل السفر وطمأنه الرجل أن الجهة التي يسافر إليها ستتحمل نفقات العملية.. على أن يسددها بعد سفره وافق الشاب على الأمر وأجرى الجراحة وبعد أسبوع ونصف من خروجه من المستشفى بدأ يشعر بإرهاق شديد وعدم قدرة على الحركة وبعد استشارته لطبيب اخر أخبره بأن العملية التي أجريت له عملية استئصال كلية وليس إزالة حصوة.
سوق سوداء في ظل انتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية والفساد وغياب الرقابة الصارمة وتغييب الضمير المهني والأخلاقي أخذت تجارة الأعضاء البشرية تزدهر وبدأ نطاقها يتسع في الآونة الأخيرة ليشمل صفقات "بيع وشراء الأعضاء" و"تجارة الذهب الأحمر" أو بيع الدم بمقابل مادي و "سماسرة الجثث المفقودة" للأشخاص الذين فارقوا الحياة لظروف مجهولة إما عبر حوادث السير او الحوادث الإجرامية كلها تؤكد على وجود شبكة منظمة تقف وراء هذه العمليات منها أطباء وأطر مسؤولة في وزارة الصحة وممرضون مختصون في علم التشريح والجراحة كون عملية سرقة الأعضاء صعبة سواء كان الاعتماد على أعضاء الأحياء أو الأموات.
ورغم التحفظ الكبير عن هذا الموضوع إلى أن عصابات وسماسرة الأعضاء البشرية تمكنوا من استدراج عدد كبير من الضحايا خلال السنة الفارطة. وتتراوح قيمة الكلية البشرية من 200 إلى 700 ألف درهم وقرنية العين من 6 إلى 7 ألف درهم وفص الكبد ب 300 ألف درهم فيما تتراوح قيمة كيس الدو بين 100 إلى 400 درهم.. وبطبيعة الحال فالوسيط الذي يمتهن بيع وشراء هذه الأعضاء وتسويقها عبر القارات لا تعوزه الخبرة الكافية في هذا الميدان وهو من يتوفر على لوائح الأسعار التي تحدد سعر كل عضو على حدة مع خبرته المنقطعة النظير في الإيقاع بفرائسه من الفقراء والمعوزين. وذلك بالاشتراك مع بعض المستشفيات الجامعية والمعاهد الطبية بدعوى خدمة البحث والتقدم العلمي وسماسرة باعوا أنفسهم للشيطان ومنحوا الشرعية لمثل هذه السلوكيات المشبوهة.
فضل عمليات زرع الأعضاء البشرية
ومع هول هذا النوع من العمليات إلا أننا لا نستطيع أن ننفي حسنات وإيجابيات زرع الأعضاء أو التبرع بها في إطار قانوني يراعي سلامة وصحة الإنسان فقد تمكن عدد كبير من الأشخاص من مواصلة حياتهم بشكل عادي بعد تعرضهم لحوادث خطيرة فقدوا فيها أطرافهم لتعود إليهم الحياة بفضل عملية الزرع ويزول عنهم الإحساس بالنقص وكم من الأشخاص عاد النبض لقلوبهم بعد أن غادرته الحياة وآخرون نجو من جحيم "الدياليز" بعد نجاح عمليات زرع الكلي وكم من شخص أبصر النور بقرنية جديدة بعد أن كان يعيش في العتمة. فمصطفى 20 سنة الذي عانى سنوات طويلة من اعوجاج قرنية عينه اليمنى تمكن بفضل عملية زرع القرنية من إبصار النور من جديد بعدما غاب عنه مدة ليست بالهينة إذ أجرى العملية بمستشفى الشيخ زايد بالرباط الذي يتمتع بترخيص من وزارة الصحة لإجراء هذا النوع من العمليات وتؤكد الدكتورة مريم هاروش التي أجرت العملية أنها كلفت 30 ألف درهم مع احتساب رسوم عملية استيراد قرنية ميت أمريكي لأن القرنيات يجري الحصول عليها من الولايات المتحدة الأمريكية.
نموذج مضيء في مجال التبرع
لا يختلف اثنان في أن المغرب يفتقر لثقافة التبرع رغم حس المساعدة والإحسان الذي يتمتع به أغلب المغاربة لكن الدكتورة رجاء ناجي مكاوي خرقت القاعدة فكانت نموذجا مضيئا في مجال التبرع ليس فقط على المستوى الوطني بل حتى العالم العربي إذ كانت أول مغربية تتبرع بجسدها بعدما أسست وحدة لقانون الصحة هي الأولى من نوعها في الوطن العربي وإفريقيا فكانت أول مغربية تتخصص في القانون الصحي وتحديدا موضوع "زرع الأعضاء"
لا يجوز قانونا أن يكون جسم الانسان محلا لأي علاقة عقدية
يجرم القانون عملية بيع الأعضاء البشرية على اعتبار أن هذا العقد لا يعتبر باطلا فجسم الإنسان لا يصح ولا يجوز قانونا أن يكون محلا لأي علاقة عقدية كالبيع بمقابل عقدي وهذا ما نص عليه الفصل الأول من ظهير 25 غشت 1999 الذي يؤكد أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها إلا وفق شروط منها أن التبرع لا يجري إلا لغرض علاجي او علمي وذلك بعد موافقة المتبرع سلفا على ذلك ثم أن يكون مجانيا وفي مستشفى عمومي على اعتبار أن المستشفيات العمومية تخضع لرقابة ووصاية الوزارة الوصية بالقطاع ويسهل أيضا مراقبتها حتى لا يفتح الباب للمتاجرة بالأعضاء البشرية كما أعطى المشرع الحق للمتبرع في إلغاء موافقته في آخر لحظة وتشرح المادة الثانية من نفس الظهير أن العضو البشري يعني كل جزء من جسم الانسان سواء كان قابلا للخلفة أولا والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتعلقة بالتوالد وقد نصت المادة 30 على معاقبة كل من يتاجر أو يقوم بعملية زرع بأي وسيلة كانت من سنتين إلى 5 سنوات وبغرامة مالية من 50 ألف درهم إلى 100 ألف درهم كما نصت المادة 7 على ضرورة المحافظة على سرية هوية المتبرع له لتسهيل عملية اندماجه داخل المجتمع.
من هذا المنطلق تكون المتاجرة بالأعضاء البشرية جرم مخالف للقانون لكون هذه الأخيرة لا يمكن تدخل في نطاق البيع والشراء والمشرع يعاقب كل من ثبتت مسؤوليته بشكل من الأشكال وفي هذا الإطار لا نستطيع أن ننكر وجود لوبيات تتاجر في الأعضاء البشرية مغيبة بذلك الضمير المهني والإنساني ومخالفة القسم واليمين.