انهيار القيم: جذور الأزمة وآفاق الحل

Image description
الأحد 29 يونيو 2025 - 08:06 يوسف شكور

تُعتبر منظومة القيم ركيزة أساسية لبناء المجتمعات المستقرة والناجحة. ومع تزايد التحديات التي يواجهها العالم اليوم، أصبح من الضروري التفكير في أسباب انهيار هذه المنظومة. فنحن نشهد تراجعًا في القيم الأخلاقية والاجتماعية، مما يؤدي إلى انحرافات سلوكية وتفكك العلاقات الإنسانية. في هذا الحوار، سنستكشف العوامل التي ساهمت في تآكل هذه القيم، ونعرض تجارب مجتمعات مختلفة، لنبحث سويًا عن سُبل إعادة بناء هذه المنظومة وتعزيز الوعي بأهميتها في حياتنا اليومية.

بداية دكتور سنستهل حوارنا عن انهيار منظومة القيم بهذا البيت الشعري البليغ و المعبر لأمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول فيه ؛ إذا أصيب القوم في أخلاقهم " فأقم عليهم مأثما و عويلا" باعتبارك أكاديميا وباحثا في علم الإجتماع كيف تنظرون لهذا الانحطاط الأخلاقي الغير مسبوق والتردي على مستوى القيم الذي وصلنا إليه اليوم والذي أصبح جزء لا يتجزأ من واقعنا اليومي المعاش، والذي تعددت مظاهره و تجلياته؛ ( عنف مدرسي كالإعتداء على المدرسين، عنف أسري، تحرش جنسي، خيانة زوجية، عنف ضد الأصول، كلام ساقط في الفضاءات العمومية، غش في المعاملات، انتهاك للخصوصيات، تشهير ابتزاز. سلوكيات شاذة ومنحرفة وصلت إلى حد المجاهرة بها على منصات التواصل الإجتماعي) ما هي وجهة نظرك كباحث سوسيولوجي؟

يواجه المجتمع اليوم أزمة كبيرة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية والمادية، لتبرز في مجالات نفسية واجتماعية وأخلاقية وتربوية. هذه الأبعاد تتعلق بشكل وثيق بالقيم السائدة في المجتمع، حيث يُلاحظ أن هناك من يرى انهيارًا لهذه القيم، بينما يرى آخرون أنها أزمة قيم مرتبطة بممارساتنا اليومية.

عندما تتعرض المنظومة التربوية لخلل، تتأثر القيم التي يجب أن نغرسها في عقول الأجيال الجديدة. التعليم هو الأساس الذي يساهم في بناء إنسان صالح، قادر على الإسهام في تطوير المجتمع. لكن مع ضعف هذه المنظومة، تتآكل الوسائل التي تحصن الأفراد ضد الانحرافات الأخلاقية والسلوكية.

لذلك، يجب أن ندرك أن الحديث عن انهيار القيم ليس دقيقًا، بل هو أزمة قيم ترتبط بأزمات متعددة في السياسة والاقتصاد والتربية والأخلاق. حينما تتعرض هذه القطاعات للاختلال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى أزمة قيم قد تكون خطيرة.

على سبيل المثال، العنف المدرسي الذي نشهده اليوم ليس سوى نتيجة لتدهور المنظومة التعليمية، حيث يفقد الطلاب القدرة على التعامل بلباقة واحترام مع من يسهم في تربيتهم. كما أن الخيانة الزوجية، التي تعكس انهيارًا أخلاقيًا، تظهر عندما يفقد الأفراد احترامهم للآخرين.

إن غياب المبادئ التربوية السليمة يؤدي إلى تصرفات غير أخلاقية، مثل التحرش والزنا وغيرها من الأفعال التي تنبع من غياب الوعي القيمي. لذا، علينا الانتباه لهذه المسائل والعمل على إعادة بناء المنظومات القيمية والتربوية لتعزيز سلوكيات إيجابية في المجتمع.

هل تتفق دكتور الشعباني مع من يقول أن مناخ الإنفتاح الذي تعرفه البلاد واتساع هامش الحريات الفردية هو السبب المركزي والرئيسي لهذا الإنحلال الأخلاقي والتفسخ القيمي المتعدد الأوجه الذي أضحى يشكل خطرا داهما على تماسك النسيج الإجتماعي والأخلاقي؟

الانفتاح على الثقافات والحضارات الجديدة هو أمر ضروري لمواكبة العصر، ولكن يجب أن نتعلم كيفية التعامل مع هذا الانفتاح بشكل صحيح. فكما أن السلاح ضروري، إلا أن استخدامه بشكل غير سليم قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.

يجب أن يكون لدينا أساس قوي من المبادئ والقيم التي تحصننا من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية. الانفتاح على الأفكار الجديدة يجب أن يتم بوعي وفهم عميق؛ فعدم استيعابها بشكل جيد قد يقودنا إلى الانحراف أو تشويه القيم.

في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت وسائل الاتصال والإعلام متاحة وسهلة الاستخدام، لكن للأسف، وقعت هذه الأدوات في أيدي من لا يعرف كيفية استخدامها بشكل صحيح. وهذا أدى إلى انتشار الرذيلة والكلام الساقط، مما أسهم في تآكل القيم الأخلاقية والنفسية.

لذا، من المهم أن نكون واعين لكيفية استخدام هذه التقنيات، وأن نتأكد من أننا نتعامل معها بحذر ومعرفة. الانفتاح في المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية ضروري، ولكن علينا أن نتجنب الاستعمال السيئ الذي يضر بنا.

فالتحديات التي تواجه المجتمع تأتي غالبًا من الجهل، وعندما يفتقر الأفراد إلى المعرفة حول كيفية استخدام الأدوات المتاحة، فإنهم يرتكبون أخطاء تؤدي إلى تدهور سلوكياتهم. الحضارات تتطور بسرعة، ومن الصعب مواكبتها، ولكن يجب علينا أن نسعى للتأقلم دون أن نفقد هويتنا وقيمنا.

لذا، يجب أن نكون حذرين وواعين، ونعمل على تعزيز حصانتنا الثقافية والأخلاقية، حتى نتمكن من التعامل مع التحديات الجديدة بشكل صحيح.

إذن فمن المسؤول عن انهيار منظومة القيم في المجتمع، من الذي أوصلنا إلى هذا المستنقع الآسن والدرك الهابط والحمأة الوبيئة؟

من المسؤول عن انهيار منظومة القيم في المجتمع؟ من أوصلنا إلى هذا الوضع المأساوي والدرك الهابط؟ الواقع يفرض علينا السؤال عن الجذور التي أدت إلى هذه الأزمات. إن المجتمع نفسه يتحمل جزءًا من المسؤولية، حيث أن العديد من السياسات والقرارات كانت فاشلة ومجحفة، مما أدى إلى سلوكيات تتجاوز ما يُضبط في إطار القيم الاجتماعية.

في المجتمعات التقليدية، كانت القيم والأخلاق مستمدة من العادات والتقاليد التي حمت المجتمع وأعطته تماسكًا. عندما يتبنى الأفراد سلوكيات تخدم مصلحتهم ومصلحة المجتمع، فإنها تصبح قواعد أخلاقية يتعامل بها الجميع. هذه القيم تتشكل من خلال التجربة والمعايشة، مما يساعد على استقرار المجتمع واستمراريته.

لكن مع انتشار الاختلالات والانحلالات، تتعرض هذه القيم والأخلاق للأمراض، مما يؤدي إلى ظهور الانحرافات وتدهور السلوكيات. وهنا، يمكن القول إن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المجتمع، الذي يجب أن يعزز مناعته ويقوي حصانته للتصدي لكل ما يهدد الأخلاق والتعليم والعلاقات الاجتماعية.

توجد دراسات عديدة تتعلق بالعلاقات الاجتماعية، مثل ما قام به عالم الاجتماع الفرنسي سيربوغام في كتابه عن العلاقات الاجتماعية. هذه الدراسات تؤكد أن تحسين العلاقات بين الأفراد والفئات داخل المجتمع يمكن أن يساعد في تجنب الإساءة إلى القيم والأخلاق.

لذا، من الضروري أن نعمل على تعزيز الروابط الاجتماعية بين مختلف الطبقات، وتفادي الصراعات والمشاكل التي قد تؤدي إلى فقدان التماسك الاجتماعي. إذا لم نتعاون ونعمل على بناء علاقات جيدة، فإننا قد نساهم في انهيار المبادئ الأساسية التي تضمن الاستقرار والعلاقات الطيبة في المجتمع.

ألا ترى دكتور الشعباني أن المجتمع المغربي المعروف بتشبته بعاداته وأعرافه وتقاليده وقيمه المغربية الراسخة وجذوره العربية والإسلامية الأصيلة أصبح يطبع مع مثل هذه السلوكيات المنحرفة والتصرفات الضالة ويعتبرها أمرا عاديا ومألوفا، والواقع المعاش خير دليل على ذلك؟

يشتهر المجتمع المغربي بتقاليده وعاداته وقيمه العريقة، المستمدة من جذوره العربية الإسلامية والأمازيغية الأصيلة. ومع ذلك، نلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور سلوكيات منحرفة وتصرفات غير مقبولة، مما يجعل البعض يعتبرها أمورًا عادية. ولكن الواقع يشير إلى أن المجتمع المغربي لا ينهار، بل يواجه تحديات معقدة.

على الرغم من الضغوطات، تظهر الأصالة في سلوكيات المجتمع، وفي قيمه وأفكاره. لا يمكن إنكار أن هناك عوامل عديدة أثرت على هذه القيم التقليدية، التي كانت راسخة عبر التاريخ. كانت المجتمعات في الماضي تعتمد على الأعراف والتقاليد، ولكن مع دخول أفكار جديدة وغزو ثقافي غير متقن، بدأت هذه القيم تتعرض للاهتزاز.

إن ضعف القيم والأخلاق في المجتمع المغربي لا يعني انهيارها، بل يعني أنه يجب علينا إزالة الغبار عن هذه القيم لاستعادة بريقها. فالإنسان المغربي لا يزال يحمل في داخله تلك المبادئ الأصيلة التي ورثها عن آبائه وأجداده.

لذا، علينا العمل بجد لتعزيز هذه القيم، بدءًا من المنظومة التعليمية. التعليم هو الأساس الذي يمكن أن ينهض بالمجتمع ويعزز مناعته. إذا نظرنا إلى الدول المتقدمة مثل كوريا الجنوبية، سنجد أنها لم تفقد قيمها التقليدية، بل استثمرت في التربية والتعليم، مما ساهم في تطورها دون المساس بهويتها.

لذلك، يجب أن نركز على تعزيز التعليم والتكوين، فهو المفتاح لبناء مجتمع قوي ومتقدم، مع الحفاظ على قيمه وأخلاقه.

ما السبيل دكتور لاحتواء هذه الآفة الآخذة في الإستفحال والتفاقم أو على الأقل التقليل من مظاهرها وآثارها؟

في سؤالك الأخير، تطرقنا إلى كيفية احتواء الآفات التي تتفاقم في المجتمع. كما ذكرت في السؤال السابق، لا بد للإنسان من أن يكون واعيًا بهذه الآفات، لأن الجهل هو السبب الرئيسي في الوقوع في المحظور.

إذا لم نكن على دراية بالمشكلات التي نواجهها، فإننا نعرض أنفسنا للانزلاق في سلوكيات غير مقبولة. لذا، المعرفة هي الأساس في مواجهة هذه التحديات. يجب أن نعيد النظر في منظومتنا التعليمية والتربوية والأخلاقية، ونعمل على تطويرها لتواكب التغيرات السريعة في مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والأخلاق.

لا يمكننا التحكم في المجتمع وتحقيق التقدم إلا من خلال العلم والمعرفة. فالسلوكيات والعلاقات الجيدة تتطلب أساسًا قويًا من القيم والمعرفة. لذا، يجب علينا تسليح أنفسنا بالعلم، فذلك هو المفتاح للخروج من الأزمات، ليس فقط على المستوى الأخلاقي والسلوكي، بل أيضًا في جميع المجالات الأخرى التي تقوي مناعتنا.

من خلال المعرفة، يمكننا أن ننافس المجتمعات المتقدمة وأن نعمل على تطوير مجتمعنا ليكون قويًا وقادرًا على مواجهة التحديات.