ملكة بريطانيا على الشاشة... سيرة امرأة حديدية تحصد الجوائز والنقد

Image description
السبت 10 سبتمبر 2022 - 10:09 شهد بناني

إنها الملكة المفضلة للدراما، على الرغم من أن شخصيتها الحقيقية بعيداً من كونها ساكنة قصر بكنغهام الأثيرة، لا تحمل بريقاً يشعل مخيلة كتاب السيناريو، فبحسب المعلومات الموثقة عن الملكة إليزابيث الثانية (21 أبريل 1926 - 8 سبتمبر 2022)، إنها ليست شخصية صاخبة ولا تحب المغامرات، تبدو مثل ربة منزل إنجليزية ملتزمة تماماً بواجباتها، إنها امرأة عادية وضعتها الظروف في بقعة غير عادية أبداً بعكس شقيقتها الراحلة الأميرة مارغريت (21 أغسطس 1930 - 9 فبراير 2002) التي كانت نموذجاً مثالياً لحكاية ملونة ذات منعطفات تلائم صنع حبكة جذابة مثلما قال الكتاب.

ولكن لأن سيرة ومسيرة إليزابيث الثانية كأكثر ملكات إنجلترا جلوساً على العرش لم تكن أبداً مسبوقة، كان من الطبيعي أن تحتل تلك الفتاة التي تولت الحكم خلفاً لأبيها الملك جورج السادس بلا أدنى طموح، الشاشات ليس كعنوان رئيس في نشرات الأخبار فقط ولكن كبطلة لأعمال كثيرة كان لعدد منها نصيب الشهرة والنجاح والجوائز.

مقتل ديانا نقطة تحول درامية

باعتبار إليزابيث الثانية وهي ملكة المملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وأم لأربعة أبناء، من أكثر شخصيات عائلتها حظاً، بالتالي كان لها النصيب الأكبر من محاولات توثيق رحلاتها. بالطبع كثيرون من أفراد أسرتها كان لهم نصيب ولكن اسمها دوماً كان يحتل الصدارة في عدد هائل من الوثائقيات بينها "Elizabeth: A Portrait in Part"، و"Elizabeth Windsor" و"Elizabeth: The Unseen Queen" والأخير عرض قبل أشهر احتفالاً في ذكرى جلوسها على العرش وتضمن لقطات نادرة للغاية من طفولتها وصباها وأيضاً فترة خطوبتها على الأمير فيليب دوق إدنبره الذي فارق الحياة في التاسع من أبريل 2021 بعد أن عاش قرناً من الزمان على الكرة الأرضية، بينما فارقت رفيقة دربه الحياة قبل أن تكمل القرن بأربع سنوات ولكنها أكملت بالتأكيد فصول رحلة غير عادية شهدت فيها حوادث أجيال وعصور لم تكن مهيأة سوى لها إذ إنها قضت أكثر من 70 عاماً كملكة تاريخية.

وفي ما يتعلق بالأفلام الروائية والمسلسلات ظهرت إليزابيث الثانية حفيدة الملكة فيكتوريا بشخصية استثنائية فهي الملكة التي عاصرت منذ منتصف القرن الماضي هزات العالم ومر عليها 15 رئيس وزراء بريطانياً، بينما هي تعبر من مطبات الحكم والحياة بثبات نادر يثير الحيرة والدهشة، لكن ما يستحق التوقف عنده بالفعل هو أن الأعمال الفنية الكبرى والمهمة التي تناولت حياة ملكة إنجلترا الأكثر شهرة والملكة الدستورية لـ16 دولة من أصل 53 دولة بمجموعة الكومنولث باعتبارها رئيستها، جاءت بعد حادثة وفاة الأميرة ديانا المأساوية عام 1997، فبدأت بعدها الإنتاجات الكبرى تبحث في ما وراء هذا الوجه الجامد وتلك الشخصية الرزينة وهذه المرأة التي كان ينظر إليها على أنها مجرد ملكة "عادية" ورثت منصبها اضطرارياً والتي تظهر بهيئتها كما هي منذ عشرات الأعوام، إذ إنها تولت المنصب قبل أن تكمل الـ26 من عمرها، وعلى الرغم من أنها صاحبة دور رمزي في الحياة السياسية البريطانية ولكن ما عرضته الشاشات حول ما يجري في كواليس القصر يشير إلى أن دورها أبعد من ذلك بكثير.

مشوار من الجوائز

وبالنسبة إلى النجمات البارزات اللواتي جسدن شخصية الملكة اليزابيث الثانية، فقد حالف معظمهن الحظ في هذا الدور إذ ترشحن لجوائز مهمة وفزن ببعضها، وبينهن بالطبع الإنجليزية هيلين ميرين التي قدمت بعمق ونضج وتفرد الدور عام 2007 في فيلم "The Queen" وحصدت من خلاله جوائز عدة ومجموعة من الترشيحات المهمة كذلك، وفازت بأوسكار أفضل ممثلة دور رئيس وكذلك بـ"غولدن غلوب".

وتعتبر ميرين من أشهر وأهم من قدموا شخصية الملكة الأشهر في القرنين الـ20 والـ21 وكانت على قدر المسؤولية، إذ جسدت بدقة مشاعر التوتر والحيرة والمسؤولية أيضاً في الفترة القلقة التي أعقبت وفاة الأميرة ديانا، لأن ملكة إنجلترا كانت تواجه حينها سخطاً عارماً واتهامات خفية وصريحة أيضاً من الشعب ووسائل الإعلام واللافت أنه بعد رحيلها كانت الجماهير تبكيها تأكيداً على محبتهم الحقيقية لها.

وكما هو معروف فإن ملوك وأمراء بريطانيا يفوز بأدوارهم في معظم الأوقات النجوم الذين يتمتعون بالجنسية الإنجليزية، بحيث ترشحت كذلك هيلينا بونهام كارتر عن تجسيدها لشخصية الملكة إليزابيث لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة عن فيلم "The King's Speech" الذي عرض عام 2010 ودارت أحداثه إبان الحرب العالمية الثانية ونجحت هيلينا بموهبتها الشاسعة في إظهار جانب من شخصية الملكة خلال مرحلة الشباب، وترشح الفيلم بشكل عام لـ12 جائزة أوسكار فاز منها بأربع والمفارقة أن هيلينا بونهام قدمت أيضاً دور الأميرة مارغريت شقيقة الملكة إليزابيث الصغرى في مرحلة النضج من خلال مسلسل "التاج" (The Crown).

مسلسل "التاج"... الهوس بالعائلة الملكية

وجاء مسلسل "التاج" الذي انطلق بثه على "نتفليكس" نهاية عام 2016 ليشكل مرحلة مهمة في الدراما التلفزيونية الملكية وأصبح يمثل لدى البعض هوساً بالعائلة المالكة الإنجليزية بحيث أثار الجدل والاهتمام مجدداً بشخصية الملكة اليزابيث الثانية ليتتبع العالم سيرتها منذ الطفولة، وهو من تأليف بيتر مورغان وتوج بعشرات الجوائز ويتمتع بشعبية كبيرة وكذلك توافرت فيه مقومات فنية جعلت منه مسلسلاً فارقاً.

وقدمت دور الملكة إليزابيث في جزءيه الأول والثاني النجمة البريطانية كلير فوي وحصدت جائزة إيمي عن دور إليزابيث الثانية في مرحلة الشباب، فيما خطفت مواطنتها أوليفيا كولمان الأنظار والاهتمام بأدائها المدهش لدور الملكة في منتصف العمر، فلم تكتف فقط بمحاكاة مظهر الملكة الفريد في الملابس وطريقة تصفيف الشعر والمشية ولكنها تلبست الشخصية تماماً في مرحلة عمرية دقيقة وحافلة وحاضرة في الذهن بالنسبة إلى كثيرين.

وحصدت أوليفيا كذلك أكثر من جائزة بينها إيمي عن الموسم الرابع من العمل كأفضل ممثلة رئيسة. وتقدم شخصية الملكة في الموسم الخامس بمرحلة الكهولة الممثلة البريطانية إميلدا ستونتون وهو الموسم الذي لم يعرض بعد، فيما لا تتوقف التسربيات الواردة من القصر التي تشير إلى غضب يتواصل بين أفراد الأسرة بسبب الطريقة التي ظهروا بها في العمل، حتى إن الملك الجديد تشارلز نفى صراحة أن يكون يشبه بأي حال من الأحوال دوره في المسلسل.

تعصب للجنسية؟

وفي حين واجهت النجمة الأميركية كريستين ستيوارت انتقادات لاذعة من قبل الجمهور الإنجليزي لتجسيدها شخصية الأميرة ديانا في فيلم "سبنسر" (Spencer) على اعتبار أن الأولى بالدور يفترض أن يكون ممثلة تتمتع بالجنسية الإنجليزية، فإن الفيلم الذي عرض العام الماضي شهد ظهوراً لشخصية الملكة إليزابيث بتوقيع الممثلة الإنجليزية ستيلا جونيت التي تميزت في أداء المشاهد. كما برعت إيما طومسون النجمة الإنجليزية أيضاً في تلبس شخصية الملكة في فيلم "Walking the Dogs" عام 2012 الذي استعرض قصة اقتحام قصر بكنغهام عام 1982، وربما يكون فيلم "A Royal Night Out" المعروض عام 2015 من أقل الأعمال التي تناولت حياة الملكة حظاً والتي أدت فيه الممثلة الكندية سارة جادون دور الملكة حينما كانت أميرة وخرجت لتحتفل مع عامة الشعب بانتهاء الحرب العالمية الثانية مخفية هويتها، ولم يحظ العمل بالشهرة الكافية.

شخصية عادية؟

أما الملكة إليزابيث الثانية بنفسها، فكان لها ظهور طريف عام 2012 أمام النجم الإنجليزي دانيال كريغ مجسداً دوره البارز العميل جيمس بوند، وجاء ذلك في احتفالية دورة الألعاب الأولمبية بلندن حينها، فعلى الرغم من الاتهامات التي طاولت الملكة بالتقليدية والكلاسكية المبالغ فيها، بل وبأنها شخصية امرأة "عادية"، إلا أنها من حين إلى آخر كانت تقوم بمبادرات غير متوقعة وبينها ظهورها قبل ثلاثة أشهر مع الشخصية الكارتونية الشهيرة الدب بادينغتون احتفالاً باليوبيل البلاتيني لتوليها عرش المملكة المتحدة فتبادلت معه الحديث وكشفت عن مخزونها من الشطائر في حقيبة يدها.

حظيت ملكة إنجلترا الراحلة بكل هذا التقدير الدرامي حينما كانت على قيد الحياة ومن المتوقع أن تظل سيرتها محط اهتمام صناع الأعمال الفنية بعد الرحيل في محاولة لكشف مزيد من الأسرار وفك غموض هذه المرأة التي كانت على قدر المسؤولية الجمة التي ألقيت على عاتقها وكانت بالفعل حديدية في كل خطوة من حياتها، حتى لو كانت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء إنجلترا الراحلة هي من حظيت باللقب رسمياً بالنسبة إلى العالم.