بعد يومين من موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على استخدام جرعات معززة من لقاحات "كوفيد-19" صُممت خصيصاً لمكافحة أحدث متغيرين من "أوميكرون"، ينتظر أن تصادق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية على بدء توزيعها في غضون أيام، ومع ذلك لا يزال الجدل قائماً في أميركا والدول الغربية عامة، حول المخاطر التي تحملها اللقاحات على الرغم من الإقرار بأنها أنقذت حياة الملايين حول العالم، فما سبب استمرار الجدل حول فاعلية اللقاحات والأضرار المحتملة منها؟
مئات الوفيات كل يوم
على الرغم من أن ما يقرب من نصف الأميركيين تلقوا جرعة معززة واحدة على الأقل من لقاحات الحمض النووي الريبي من شركتي "فايزر" و"موديرنا" لتحفيز جهاز المناعة ومكافحة العدوى، وحصل ثلث الأميركيين على جرعة معززة ثانية على الأقل، لا يزال أكثر من 450 شخصاً يموتون كل يوم في الولايات المتحدة متأثرين بالمرض الذي يعود في جزء منه إلى عدم قدرة سلالات اللقاح الأصلية، منع العدوى من الفيروس المتحور، نتيجة ضعف فاعلية الأجسام المضادة في درء العدوى من المتغيرات الجديدة، فضلاً عن الأعراض الجانبية المتولدة عن اللقاحات التي لا تزال تغير حياة عشرات الآلاف من الناس حول العالم إلى الأسوأ.
وفي حين لا توجد حتى الآن دراسات حول فاعلية اللقاح الجديد في منع العدوى مرة أخرى وتوفير حماية مناعية طويلة الأمد، فقد وجدت "فايزر" و"موديرنا" أن التجارب السريرية البشرية والدراسات المختبرية، تشيران إلى استجابة كبيرة للأجسام المضادة على الرغم من أنها أقل من تلك الاستجابة التي لوحظت مع اللقاحات الأصلية الأولى، وهذا يعني أن معدل الإصابات قد يستمر في نسب مرتفعة مقارنة بتجربة اللقاحات الأولى.
أخطار متعددة
وما يثير القلق في العديد من المجتمعات الغربية أن تجربة اللقاحات الأولى أثارت كثيراً من اللغط حول آثارها الجانبية وأخطارها على آلاف الحالات التي عانت آثارها على فترات طويلة، بل لقي العديد من الناس مصرعهم بعد ساعات أو أيام من تلقيهم اللقاحات، وهو ما يدفع بعض الهيئات الطبية إلى توخي الحذر الآن مع الجرعات الجديدة المعززة التي يتوقع توزيعها خلال أيام في الولايات المتحدة والعديد من دول العالم، ومن بين أحدث الأمثلة على هذا القلق وما قد يصاحبه من توترات سياسية محتملة، ما أقدم عليه عدد من الطيارين والعسكريين العاملين في القوات المسلحة الأميركية، من تحد للطبيعة القانونية والأخلاقية للأوامر الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" باستخدام لقاحات الحمض النووي المرسال المعروف باسم "أم آر أن أيه"، وقدموا بعض الشهادات الصادمة المخالفة تقريباً لجميع الروايات السائدة التي تقول، إن اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي مثل لقاحات "موديرنا" و"فايزر" هي لقاحات آمنة.
أضرار اللقاحات
وذكرت مدونة "دوسيير" (وهي نوع من الصحافة البديلة المستقلة) أنها تواصلت مع عدد من المبلغين عن هذه الشكاوى ونشرت سلسلة من الوثائق التي حصلت عليها، وتعرض الضرر الذي أحدثته أوامر تلقي لقاحات الحمض النووي التي تثير القلق داخل وزارة الدفاع الأميركية، بعد دعاوى بأنها أضرت بالاستعداد العسكري، وخلقت مناخاً تسبب في إبعاد الذين يتحدون أوامر تلقي اللقاحات التي يعتبرونها غير قانونية، ودفعت كثيرين إلى عدم الإبلاغ عن وقوع أضرار إضافية نتيجة تلقي اللقاح خوفاً من تهميشهم في الخدمة العسكرية.
ونشرت المدونة تقريرين منفصلين يشملان عشرات الخطابات التي قدمتها مجموعة من المبلغين حول المخالفات التي وقعت داخل شبكتهم العسكرية، وفي بعضها شكاوى بأنهم شعروا بتخلي الجيش عنهم وبإجبارهم على تناول اللقاحات التي جعلتهم يشعرون بأنهم على وشك الموت وأن معنويات كثيرين تضررت بشدة، وجعل ذلك القوات في حال استعداد أقل.
حالات مختلفة
ومن بين هذه التقارير حال ضابط مشاة في البحرية الأميركية (28 عاماً) تم تشخيص إصابته بالتهاب غلاف القلب بعد تلقيحه بلقاح الحمض النووي الريبي المرسال، وفي أثناء عمليات الإحماء تعرض لنوبة قلبية وضيق في التنفس ويبدو أنه لا مفر من إجباره على الخروج من سلاح مشاة البحرية الأمر الذي سيسبب له وأسرته مشكلات مالية ويتركه بمشكلات في القلب.
وفي حال أخرى، دخل قائد وحدة عسكرية بحرية في منتصف الأربعينيات من عمره المستشفى بعد 72 ساعة من التطعيم، وتم تشخيصه بوجود اضطراب في جهاز المناعة، وأمرت قيادته بعدم نشر أي أخبار للإعلام عن إصابته، لكن العديد من زملائه الآخرين أصيبوا بنوبات قلبية، وكانت هناك حال وفاة واحدة لبحار يتمتع بصحة جيدة تحت قيادته.
معاناة الطيارين
في الوقت نفسه، عانى أحد الطيارين (41 عاماً) بعد تلقي اللقاح من مشكلات في القلب والجهاز التنفسي مثل ضيق التنفس وآلام في الصدر وتشوش الرؤية والإغماء وخفقان القلب، ولهذا تم إيقافه عن الطيران، لكنه ناشد أعضاء الكونغرس المساعدة في اتخاذ نهج محسوب للنظر في إيجابيات وسلبيات اللقاح، مع عدم إقصاء أعضاء الخدمة العسكرية الذين كرسوا حياتهم لخدمة الوطن.
وعلاوة على ذلك، شرح مدرس طيار في القوات الجوية الأميركية (40 عاماً) إصابته بأمراض عصبية ودوار بسبب التأثير الضار للقاح "كوفيد-19"، وظل يعاني بانتظام بسبب مخاوف من احتمال حدوث سكتة دماغية مفاجئة أو جلطة دموية، في حين ذكر مقاتل طيار (29 عاماً) أنه عانى بعد تلقيه اللقاح من إرهاق مزمن ونوبات عصبية ودوار وهفوات في الذاكرة، كما أصبح غير قادر على صعود الدرج على الرغم من لياقته البدنية، بالتالي غير قادر على المشاركة في التدريب، وأثر ذلك على نفسيته مع احتمال أن يضيع منه حلم الطيار المقاتل.
تجاهل الكونغرس
وعلى الرغم من تقديم تقارير حول هذه الحالات إلى مكاتب عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، فإن المشرعين لم يتخذوا بعد أي إجراء في شأن هذه المعلومات والمشكلات التي ظهرت نتيجة الحقن بلقاحات الحمض النووي الواسعة الانتشار، التي يرى البعض أنها غير ضرورية نظراً إلى أن أفراد الخدمة العسكرية لم يتعرضوا لتهديد خطير من فيروس كورونا الجديد.
ووفقاً لتقرير المدونة الذي كتبه الصحافي جوردان شاشتيل، فإن وزارة الدفاع الأميركية كانت تدرك جيداً عدم وجود تهديد خطير على القوات قبل إصدار الأمر المتنازع عليه قانونياً في أغسطس من عام 2021، حيث كانت هناك موافقة من إدارة الغذاء والدواء لاستخدام لقاح متاح لأعضاء الخدمة العسكرية بينما لم يكن التصريح تحت بند الاستخدام الطارئ، وبحسب ما نقلته المدونة من البيانات التي نشرتها وزارة الدفاع نفسها، فقد سجلت 95 حالة وفاة بين أفراد الخدمة العسكرية نتيجة إصابتهم بوباء "كوفيد-19" منذ أوائل عام 2020، وأن الغالبية العظمى من هذه الوفيات وقعت بعد وقت قصير من إصدار الأوامر الخاصة بتلقي اللقاح لجميع أفراد الخدمة، في حين أنه لم تسجل الوزارة سوى نحو حالة وفاة واحدة بسبب "كوفيد-19" شهرياً في المتوسط وفقاً للمدونة.
تدابير وتحذيرات بريطانية
وفي المملكة المتحدة، شددت الحكومة البريطانية من التدابير التي يتم اتخاذها لضمان الاستخدام الآمن والفعال للقاحات "كوفيد-19" ضمن ما يسمى "خطة إدارة المخاطر في المملكة"، بما في ذلك اتخاذ الاحتياطات المناسبة التي يجب اتباعها من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية ومراقبة الآثار الجانبية المبلغ عنها من قبل المرضى أو أخصائي الرعاية الصحية بشكل مستمر، ومراجعة أي إشارات أمان جديدة يتم تحديدها، كما وضعت وزارة الصحة والسلامة المهنية خطة إضافية استباقية لرصد السلامة للقاحات "كوفيد-19" لتمكين التحليل السريع لمعلومات السلامة وهو أمر مهم أثناء الجائحة.
وفي الصفحة الرسمية لوزارة الصحة، حذرت الوزارة المرأة الحامل أو المرضعة أو التي تنوي الحمل من تلقي اللقاح في ظل غياب البيانات الخاصة بالسمية الإنجابية، بالتالي لا يمكن توفير ضمانات كافية للاستخدام الآمن للقاح في النساء الحوامل في الوقت الحالي، وتعكس هذه الأحكام عدم وجود بيانات في الوقت الحاضر، لكنها لا تعكس نتيجة محددة مثيرة للقلق.
آثار جانبية
وفي نيوزيلندا، جددت الحكومة تحذيراتها من الآثار الجانبية للقاحات "كوفيد-19"، مثل جميع الأدوية، فقد يشعر متلقي اللقاحات ببعض الآثار الجانبية الخفيفة بعد يوم إلى يومين من تلقي التطعيم مثل الحمى والغثيان والدوار والصداع وآلام العضلات والإرهاق، وهو أمر شائع.
وعلى الرغم من أن معظم الآثار الجانبية لا تدوم طويلاً، ولن تمنع من تناول جرعة ثانية أو ممارسة المهام اليومية، فإن بعض الآثار الجانبية أكثر خطورة، ولكنها نادرة جداً، مثل الحساسية الشديدة أو التهاب عضلة القلب، والتهاب التامور وهو التهاب يصيب الأنسجة التي تشكل كيساً حول القلب، وتحدث هذه الحالات عادة بسبب العدوى الفيروسية، ولكنها آثار جانبية نادرة جداً وخطيرة للقاح.
وتظهر أيضاً بعض الآثار الجانبية الأكثر خطورة، ولكنها نادرة مثل الحساسية الشديدة وشلل الوجه النصفي المؤقت الذي يؤثر على شخص واحد من بين ألف و10 آلاف شخص في التجارب السريرية.