في لقاء وصفه المعسكر الرئاسي بفرنسا بأنه الأول من نوعه في ظل نظام الجمهورية الخامسة، سيجتمع الرئيس إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، بقادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الفرنسي، لإجراء تبادلات غير رسمية، حيث سيعرض عليهم مضمون “مبادرته السياسية الكبرى”، التي كان قد وعد بها قبل العطلة الصيفية، بهدف إيجاد “سبل” لـ“دفع البلاد إلى الأمام، بعيداً عن الانقسامات السياسية، في ظل غياب الأغلبية المطلقة”.
اجتماع “القمة” هذا، سيعقد خلف أبواب مغلقة بين الرئيس وزعماء الأحزاب المجتمعين حول طاولة، وهو تنسيق “غير مسبوق” بحسب حاشية رئيس الدولة، التي شددت على أنه لن يكون هناك أي متعاون ولن يتم توفير أي جهاز للصحافة التي لن تكون قادرة إلا على تصوير ما يحدث خارج مكان الاجتماع.
المشاركون مدعوون إلى طاولتين مستديرتين حول الوضع الدولي والإصلاحات المؤسسية، يليها عشاء حول جميع الأسئلة التي أثارتها أعمال الشغب الأخيرة في المناطق الحضرية، والمدرسة، والسلطة، والتكامل، وعدم المساواة، وفقا لما ذكره الإليزيه. وبحسب رسالة الدعوة التي وجهها إلى زعماء الأحزاب، قال إيمانويل ماكرون إنه يريد بناء نصوص تشريعية “معا” وتمهيد الطريق “إذا لزم الأمر” لإجراء الاستفتاءات. ويؤكد رئيس الجمهورية أنه يريد “نقاشا صريحا ومخلصا ومباشرا” من أجل “العمل معا” و“الوحدة” خدمة للفرنسيين.
ماكرون، الذي لا يتمتّع بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية منذ إعادة انتخابه في عام 2022، يأمُل في إيجاد أرضية مشتركة حول القضايا الرئيسية التي هي في الغالب موضع خلافات، مثل الهجرة أو النظام أو العمل. ويعتقد الرئيس الفرنسي أنه يستطيع أن يَقترح على القوى التي يطلق عليها “القوس الجمهوري”، وهو شكل من أشكال الائتلاف الذي تدعمه بعض الأحزاب الوسطية، أو الديمقراطية الاجتماعية، أو الديغولية، بهدف إنشاء ائتلاف حكومي من الجمهوريين أو الديمقراطيين في مواجهة الشعبويين أو “الديماغوجيين” اليمينيين، أن يقترح على هذه القوى سلسلة اجتماعات لتحديد المواضيع المشتركة، بما في ذلك قضية الهجرة الحساسة التي تكافح السلطة التنفيذية، منذ عدة أشهر، من أجل تحقيق التوافق حولها.
إذا كان الرئيس الفرنسي قد وضع بالفعل، على ما يبدو، جدول أعمال اجتماعه هذا مع مختلف قادة الأحزاب، إلا أنه من الواضح أن زعماء الأحزاب بدورهم، سينتهزون الفرصة لطرح العديد من مقترحاتهم الرئيسية على الطاولة.
جوردان بارديلا، الرئيس الحالي لحزب مارين لوبان “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، يُريد تنظيم استفتاء حول سياسة الهجرة في فرنسا يوم 9 يونيو 2024، بالتزامن مع الانتخابات الأوروبية. هذا الأخير، وهو عضو البرلمان الأوروبي، يعتبر أن الوضع الملحّ يتطلب استشارة الشعب الفرنسي بشأن سياسة البلاد المتعلقة بالهجرة، والتي تتضمن جميع التدابير اللازمة لاستعادة السيطرة، على حد تعبيره.
يعتزم بارديلا أيضا التنبيه بشأن القوة الشرائية، وطَلب “وقف أي زيادة في الضرائب والرسوم”، حتى نهاية الفترة الرئاسية لإيمانويل ماكرون في عام 2027. علاوة على ذلك، يدعو حزب “التجمع الوطني” إلى “تخفيض فواتير الطاقة وأسعار الوقود، والإعفاء الضريبي على زيادة الرواتب بنسبة تصل إلى 10%، وإلغاء CVAE (المساهمة في القيمة المضافة للشركات) من أجل تشجيع إعادة التصنيع. كما يدعو الحزب اليميني المتطرف إلى “إصلاح شامل للبرامج المدرسية”. و حذر جوردان بارديلا من أي “أوهام لفظية”، داعياً إلى “أعمال واضحة” بشأن “سلطة الدولة وهوية فرنسا”.
أما رئيس حزب “الجمهوريون” اليميني- التقليدي (الديغولي) إريك سيوتي، فيريد إعادة الكلمة إلى الشعب دون تأخير”، على حد تعبيره. وسيستغل سيوتي الاجتماع مع إيمانويل ماكرون ليطلب مرة أخرى تنظيم استفتاء حول الهجرة، بالإضافة إلى تعديل الدستور، الذي يلزم بتنفيذ مثل هذه المبادرة.
وسيكون الاستفتاء الذي يريده حزب “الجمهوريون” مرتبطا بمشروع قانون قدمه الحزب في نهاية شهر مايو، ويتضمن هذا النص بشكل خاص إمكانية “الانتقاص من أولوية المعاهدات والقانون الأوروبي”. ثم اقترح الحزب سلسلة كاملة من التدابير، بما فيها إعادة العمل بجريمة الإقامة غير القانونية، وتقييد حقوق الأرض، وإعادة العقوبة المزدوجة، والتي تم تجميعها في مشروع قانون ثانٍ.
تحالف Nupes اليساري من جانبه، أكد في رسالة مشتركة موجهة إلى رئيس الجمهورية، قبل هذا الاجتماع، أن الأحزاب الأربعة الممثلة للتحالف ستذهب إلى هذا اللقاء مع إيمانويل ماكرون دون “أوهام”، وستحمل معها “مقترحات تصب في مصلحة الشعب، فيما تلوح في الأفق بداية صعبة للعام الدراسي”، في إشارة إلى ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية، وكلفة الحياة الطلابية، وأسعار الكهرباء والوقود والتضخم على المنتجات الغذائية.
كما يسلط اليسار الضوء على موضوع آخر هو تداعيات التغير المناخي، التي تتضح من خلال درجات الحرارة العالمية أو الحرائق أو حتى الجفاف. وأيضاً سيأتي تحالف NUPES، على غرار أحزاب المعارضة الأخرى، باقتراح لإجراء استفتاء، ومن غير المستبعد أن يتعلق الأمر بقانون إصلاح المعاشات التقاعدية، المثير للجدل، والذي مررته الحكومة بالقوة، بالاعتماد على المادة 3-49 من الدستور التي تخولها القيام بذلك.