اليوم تشهد مدينة العيون عرسا نضاليا تنظيميا لواحد من الأحزاب اليسارية الحداثية التقدمية، حيث لا يجب النظر إلى المؤتمر الوطني السادس لحزب جبهة القوى الديمقراطية على أنه مجرد محطة تنظيمية عادية بل إن مؤتمر العيون نقطة فاصلة في تاريخ الحزب.
اإذا كان المرحوم التهامي الخياري قد عمل على وضع اللبنات الأولى لتأسيس الجبهة أواخر تسعينيات القرن الماضي. فإن الأمين العام المصطفى بنعلي بمعية قياديي الحزب عمر أبو الزهور والبويحياوي وتامك والبزيزي  وفاطمة الزهراء شعبة وغيرهم من القياديين المناضلين يقومون بإرساء اللبنات الكبرى لإعادة بناء الحزب وفق رؤية تتناسب والمتطلبات السياسية للمرحلة الراهنة.
لقد راكم الحزب لعقدين ونصف من الزمن تاريخا نضاليا وسياسيا وفكريا جعله يحافظ على مكانته داخل النسيج الحزبي المغربي. كما حافظ على التوجه العام الذي رسمه الاآباء المؤسسون وهو الاختيار اليساري الحداثي التقدمي. 
 رفاق بنعلي يسيرون بخطى ثابتة نحو عقد مؤتمر العيون  الذي  سيتم من خلاله إعادة بعث الحزب الذي يعيش مرحلة جد دقيقة في تاريخه التنظيمي والسياسي والفكري من خلال سلك طريق تنظيمي قادر على سماع نبض الشارع المغربي وتتبع حركيته.
ما تقدمه المحطة التنظيمية بالعيون هو اكثر من الحديث عن الاختلاف السياسي وتجديد الهياكل إنه احتفال بمرور 25 سنة من النضال والكفاح الديمقراطي والدفاع عن تفعيل الديمقراطية الحقيقية والدفع بمشروع الحداثة والتقدمية ونبذ مختلف أساليب الفساد السياسي والاجتماعي والقضاء على كل أوجه الريع. كل هذا وذاكأ امر يستحق وقفة تنظيمية كبيرة لإعادة بناء الذات الحزبية وتطويرها حتى تتناسب وتطلعات الفاعل السياسي المناضل أولا وقبل كل شيء . لقد كانت وما تزال الأطر الجبهوية اطرا مناضلة مساهمة في عملية الانتقال الديمقراطي منذ المؤتمر التأسيسي سنة 1997 تحت شعار "تصور جديد لمغرب جديد"، حيث لم يكن مجرد شعار وفقط بل كان قراءة للواقع السياسي المغربي قبيل سنوات من العهد الجديد وبداية عملية الانتقال الديمقراطي والمصالحة الوطنية مع مختلف القوى السياسية.

كما أن المؤتمر الوطني الثاني المنعقد بمراكش سنة 2005 تحت شعار "الإنسان ثروتنا... حقوقه التزامنا" يؤكد وبالملموس على مدى استباقية القيادة الحزبية في التعامل مع القضايا الوطنية والدولية والإنسانية على حد سواء وهذا ما جعل الحزب سباقا لرفع شعار "عهد جديد... دستور جديد. وهذا ما حدث بعد 5 سنوات حيث لم يكن هناك من سبيل لتعزيز المسلسل الديمقراطي لبلادنا لولا دستور 2011 وما جاء به من تغييرات على عديد المستويات.
ان جبهة القوى الديمقراطية جبهة للنضال السياسي البناء ولعل شعار المؤتمر الوطني السادس "معا لبناء الدولة الاجتماعية وتعضيد مساعي المغرب للسلم والتضامن بين الشعوب" ما هو إالا امتداد طبيعي للشعارات التي عرفتها المحطات التنظيمية على مر 25 سنة. وما هو إلا استمرار لوعي القيادة الحزبية بدورها في تأطير المشهد السياسي وتبني هموم الفئات الشعبية واإدراجها في صلب اهتماماتها وتأكيدها على نجاعة النهج الذي تتبناه الدولة المغربية في علاقاتها الدولية المبنية على حفظ الامن والسلام العالمين. 
لابد من الوعي بقيمة مؤتمر العيون الذي يعتبر مؤتمرا لوحدة الصف الجبهوي لمواجهة كل أشكال الانتهازية والبيروقراطية والتحكم والتسيب التنظيمي. فالمؤتمر الوطني السادس هو ربط بين المناضلين وحزبهم لا بين الدخلاء ورغباتهم.

إن العيون ستشهد لقاء يتم فيه التأكيد على أن المناضل ينتمي للحزب والتنظيم والفكر والرؤية لا للأشخاص والمصالح الذاتية الضيقة، إذ إن الحاجة في نجاح هذا المؤتمر هي حاجة الحزب على إفراز قيادة وطنية قادرة على توحيد الصفوف وبناء خط التواصل بين عموم اطر جبهة القوى الديمقراطية، ولا يمكن هذاإلا عن طريق قيادة مركزية لها من القوة ما يجعلها تتكتل لمواجهة كل أشكال الانتهازية وكل اشكال التسلط. حيث إن القيادة الحقيقية هي التي تنصت بحكمة للقواعد الحزبية وتعمل على توحيد الجهود  لتنزيل برنامج الحزب على أرض الواقع وتفعيل شعار المؤتمر الذي هو عرس نضالي يجمع بين أمجاد الماضي وصمود الحاضر والتطلع اإلى المستقبل وهذا هو الهدف الأسمى الذي يجب أن يتبناه كل جبهوي وجبهوية.

إن المناضل الحقيقي هو الذي يسير جنبا إلى جنب مع قيادة واعية مثقفة تتبنى خطابا عقلانيا علميا بعيدا عن الخطابات الغوغائية والشعارات الدونية الأقل من الشعبوية التي لا تنسجم وقيم اليسار الحداثي التقدمي.

 

زكرياء شوقي – عضو المجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية