سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان

Image description
الجمعة 07 فبراير 2025 - 08:02 عبد المجيد رشيدي

في عالم الفن، يعتبر كل فنان مرآة لعصره، حيث تنبض أعماله بالألوان والأشكال التي تعكس تصوره وتفسيره للعالم من حوله، وفي هذا السياق، تبرز الفنانة التشكيلية العصامية سامية ورضان، التي استطاعت أن تحقق تميزا لافتا في مجال الفن التشكيلي، مما جعلها واحدة من أبرز الأسماء التي يشهد لها بمثابرتها وإبداعها، وبقدرتها الفائقة على منح كل لوحة حياة ومعنى خاص.

ولدت الفنانة سامية ورضان عام 1977 في الدار البيضاء، غير أن جذورها تمتد إلى شتوكة، وهو ما انعكس على رحلتها الفنية التي لم تبدأ فقط كمسار إبداعي، بل كحاجة ذاتية وضرورة ملحة لتحرير النفس من الثقل الداخلي، لقد أصبح الرسم بالنسبة لها أكثر من مجرد ممارسة فنية، بل طريقة لاستكشاف أبعاد أعمق داخل الذات وخارجها.

تتميز أعمال سامية ورضان بعمق فني يعكس تنوعا في الأسلوب والتعبير، حيث تمزج بين الألوان المتباينة في تناغم رائع، فتبعث كل لوحة بالحياة وتروي حكاية ذات طابع خاص، لا تقتصر لوحاتها على كونها مجرد تدرجات لونية، بل هي حامل لمعان أعمق، تلامس مشاعر المتلقي وتفتح أمامه أبواب التأمل والتفكير، إذ تتمتع سامية بقدرة فائقة على استخدام الألوان بطريقة تعكس تنوع مشاعر الإنسان، حيث نجد تداخل الألوان الباردة والدافئة بشكل متناغم، مما يخلق توازنا بين الأبعاد الجمالية والرمزية، في كل خط، ودائرة، وزاوية، هناك قصة ترويها العين، وتخاطب الذوق والفكر، مما يجعل من كل لوحة أكثر من مجرد عمل فني، بل تأملا بصريا يتحدث إلى القلب قبل العقل،
كما أن تقنية عملها تضيف إلى هذا العمق لمسة خاصة، فهي لا تعتبر نفسها مجرد فنانة، بل باحثة في المجال التشكيلي المرئي، تستكشف التقنيات المختلفة وتمزج بين الأكريليك، النقوش، والأنسجة الديناميكية، وتدمج نتوءات قبل الشروع في استكشاف الألوان، مع استخدام رموز وكتابات تعود إلى تطور الكتابة والترميز، مما يمنح أعمالها بعدا فلسفيا وثقافيا فريدا.

وما يميز أعمال سامية ورضان أيضا هو قدرتها على الجمع بين الرمزية والواقع بأسلوب فني مميز، في العديد من لوحاتها، تعكس الأشكال الهندسية التي تبدو بسيطة في الظاهر، معاني فلسفية وحالات نفسية معقدة، حيث تخفي وراءها أبعادا عميقة تتخطى السطح، كما تجد في أعمالها تصويرا لعناصر من الطبيعة، مثل الزهور أو الرموز الطبيعية، التي تحمل بين ثناياها معان تتجاوز حدود الواقع، تتنقل بين التجريد والتصوير، بين الإتقان والتخلي، حيث تترك للوحة في كثير من الأحيان حرية توجيهها أكثر مما تقوم بتوجيهها هي، فتجد في كل طبقة مخفية، أو ظل تحت الضوء، أو كتابة مدغمة، قصة غير مرئية تحتاج إلى قراءة عميقة.

خلال مسيرتها، شاركت الفنانة سامية ورضان في أكثر من 17 معرضا فنيا داخل المغرب وعلى المستوى الدولي، حيث عرضت أعمالها في الدار البيضاء، الرباط، الجديدة، أزمور، برشيد، كما وصلت إبداعاتها إلى بودروم في تركيا، وطوكيو وهيروشيما في اليابان، وكان لها شرف التواجد في نفس الكتاب الذي يضم فنانين من منطقة أزمور والجديدة إلى جانب الفنانة الراحلة الشعيبية طلال، وهو اعتراف بمكانتها ضمن نخبة المبدعين المغاربة، كما نشطت العديد من الورش الفنية للصغار والكبار، وشاركت في مؤتمرات أكاديمية وإقامات فنية بعروض حية، مؤكدة على نهجها الذي يمزج بين الفكر، الفن، والنقل الثقافي.

لا تقتصر تجربة سامية ورضان على كونها فنانة تشكيلية فقط، بل هي أيضا شاعرة، وأستاذة، وباحثة في مجال التربية والتعليم، حاصلة على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، وتعمل أستاذة مُكوّنة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين - جهة الدار البيضاء-سطات، وبالرغم من مسؤولياتها المتعددة، يبقى الفن مساحة خاصة بها، وملاذا تعود إليه حيث يتشكل فكرها ومشاعرها على القماش، بالألوان والحركات، في رحلة لا تنتهي من البحث عن المعنى والتوازن.

جمال فن سامية ورضان لا يتوقف عند البعد الجمالي فحسب، بل يحمل رسالة إنسانية عميقة، فهي تستخدم اللوحة كوسيلة تعبير عن القضايا الاجتماعية والعاطفية، لتجعل من فنها صدى للأصالة والتجربة الإنسانية، حيث تعكس لوحاتها العلاقة الحميمة بين الإنسان والطبيعة، وتحمل تأثيرات بيئية وثقافية تجسد جزءا من تراثها المغربي الأصيل.

من خلال أعمالها الرائعة، تبرهن الفنانة سامية ورضان أن الفن ليس مجرد موهبة، بل هو أداة حية للتعبير عن الذات وفهم العالم من حولنا، لوحاتها تنبض بالحياة والإحساس، وتتمتع بقدرة مذهلة على التأثير والإلهام، مما يجعلها بحق واحدة من الفنانات التشكيليات المبدعات في المغرب، وبينما تأخذنا أعمالها في رحلة تأملية عبر الألوان والشكل والرمزية، فإنها تفتح أمامنا آفاقا جديدة لفهم الجمال والفن بشكل أعمق، وتحفزنا على التفكير في الجوانب الإنسانية التي قد نغفل عنها في حياتنا اليومية.