في عالم تتكاثر فيه الأصوات وتبهت فيه المعاني، تبرز ملاك خلفاوي كصوت نادر، يجمع بين الذكاء الحاد، والخيال الحر، والبحث الجاد عن جوهر الإنسان، طالبة طب في سنتها الثانية، درست القانون في باريس، وتكتب الشعر كمن يهمس للوجود، وترسم كما لو أن الألوان وسيلتها الوحيدة لفهم العالم.
ليست ملاك حالة عابرة في مشهد فني صاخب، بل مشروع فني-فكري متكامل، تتقاطع فيه المعرفة العلمية بالنبض الإنساني، ويتجلى فيه سؤال الوجود في كل تفصيلة، حين تتأملها لا يمكنك فصل الفن عن الكلمة، ولا الرسم عن النص، فهي تكتب بريشة، وتلوّن بالكلمات، وتُمارس الطب بروح شاعرة.
في مشاركتها الأخيرة يوم 3 ماي الجاري ضمن معرض جماعي برواق Living 4 Art بالدار البيضاء، عرضت ثلاث لوحات تعبيرية حملت عناوين: Étreinte des âmes، Houra، وLe penseur، لكنها لم تعرض مجرد أعمال فنية، بل عرضت وجدانها، تساؤلاتها، تلك المسافة بين الضوء والظل داخل كل إنسان.
كل لوحة عند ملاك هي محاولة لتلمس المعنى، لمساءلة العالم، لرسم ما لا يُقال، لا تلهث خلف الجمال السطحي، بل تنقب في الطبقات الأعمق من الذات، حيث تتقاطع الفلسفة مع الانفعال، والرمز مع التجربة، كما أن هناك شيء يشبه البوح في كل ما تنتجه، شيء لا يروى، لكنه يُحس.
بعيدة عن الاستعراض، لا تسعى خلف ضوء مزيف، بل خلف ضوء داخلي يُنير اللوحة والنصّ والإنسان، كتجربة شابة، ما يدهشك في ملاك ليس فقط النضج الفني، بل وعيها بمسارها، إيمانها أن الفن ليس صدفة ولا هواية، بل مسؤولية ورسالة، وإصرارها على جعل الفن ساحة حوار لا جدارا للفصل.
ملاك تشق طريقها بثقة، ترفض أن تُصنف، وتمضي بخطى ثابتة نحو أفق أوسع، فنانة تؤمن أن الجمال لا يُستهلك، بل يُصنع من الألم، من السؤال، من الحنين، من القلق، من تفاصيل لا تُرى.
ومع كل هذا النضج المبكر، يبقى الطموح مشتعلا في قلبها، فملاك لا ترسم فقط من أجل العرض، بل من أجل الوصول إلى القاعات العالمية، إلى وجدان إنسان في مدينة بعيدة، إلى مرآة ترى فيها كل روح قلقة تسعى للفهم.
ملاك لا تبحث عن شهرة، بل عن صدى، عن لحظة صمت يقف فيها المتلقي أمام عملها، ويتساءل: "من أنا؟"… وهذا، في نظرها، هو الانتصار الحقيقي للفن.